مؤسسة التعاون الفلسطينية: الصمود بالحفاظ على الهوية

الأخبار

مؤسسة التعاون الفلسطينية: الصمود بالحفاظ على الهوية

التاريخ:
22-02-2016
أن تقاوم بالثقافة وأن تصمد بالتشبث بالهوية، تلك هي المعادلة الفلسطينية التي يعمل عليها شعب عرف أن طريق الحلول السياسة طويل جدا ولا نهاية في الأفق، وأن القرارات الدولية كأنها مجرد رقم في ملف القضية الصعب. الحالة الفلسطينية صعبة حقا، فالوجود البشري الفلسطيني متوزع بين الداخل والشتات والمخيمات، وأجيال منذ النكبة حتى الآن، وكأنها مستهدفة في هويتها ممن يرى أن الحل ليس فقط في إحلال بشر مقابل شعب، ولكن هوية مقابل هوية. لو تم هذا لن يكون الفلسطينيون شعبا، وستبطل القضية. لذلك يعتبر الدور الذي تلعبه مؤسسة التعاون الفلسطينية دورا مهما كمؤسسة أهلية غير ربحية تعمل على تمكين الانسان الفلسطيني وتعزيز الهوية. 
 
تفيدة الجرباوي طرحنا عليها بعض الأسئلة عن دور هذه المؤسسة وأنشطتها ومعنى المقاومة بالثقافة.
مؤسسة التعاون.. إلى أي مدى كان وجودها حاجة في ظل حرب الثقافة والهوية والذاكرة مع إسرائيل؟
ــــ إثر التهجير القسري (الثالث) للاجئين الفلسطينيين من لبنان، والمتسبب عن الاجتياح الاسرائيلي في عام 1982، وما تضمنه من مذابح في مخيمي صبرا وشاتيلا، بدا واضحاً أن اسرائيل تسعى لتصفية ما أنجزته الحركة الوطنية الفلسطينية عبر عزل المنفى عن الداخل الفلسطيني، ومواصلة تغييب وتذويب الوجود الفلسطيني في المنفى من جهة، وتحطيم مرتكزات المجتمع الفلسطيني في فلسطين التاريخية لتفكيك هويته الوطنية وضرب مقومات صموده.
وفي نفس الفترة، تمكن الاحتلال الاسرائيلي من السيطرة المطلقة على الأرض والسكان في المناطق المحتلة لعام 1967، إذ استولى على مصادرها الطبيعية، وحولها لسوق قسري لاستهلاك المنتج الاسرائيلي، وعبث بمناهجها الدراسية لزعزعة الهوية ومسخ جذور الثقافة العربية، وقيد الحركة بين مناطقها وعبر بلدان العالم، وصادر هويات أهلها، خاصة المقدسيين منهم، وأقام العديد من المستعمرات على أرضها بعد مصادرتها. لقد أدت الإجراءات السابقة إلى تآكل البنية المجتمعية، وأثرت سلباً على جميع مناحي الحياة والسلوك وعلاقات الانتاج والبنى الثقافية وباتت تهدد بشكل مباشر الهوية الوطنية.
أما في مناطق 1948، فقد تواصلت سياسات مسح الهوية العربية بطريقة منهجية عبر سن القوانين والممارسات الهادفة إلى تفتيت المجتمع الفلسطيني إلى سلسلة غير متجانسة من الطوائف متفاوتة الحقوق، بما فيها تهميش اللغة العربية وتبديد الموروث الثقافي، ودفع الأجيال الشابة نحو الجهل والعمالة الرخيصة.
وفي ظل هذا الواقع الصعب، وفي عام 1983، قامت مجموعة من الشخصيات الاقتصادية والفكرية الفلسطينية والعربية، بالمبادرة إلى عقد لقاء في العاصمة البريطانية «لندن»، والتداول في فكرة انشاء مؤسسة فلسطينية قادرة على دعم وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني. ومن هنا جاء ميلاد مؤسسة التعاون في جنيف كمؤسسة أهلية غير ربحية، تعمل على تمكين الانسان الفلسطيني وتعزيز هويته والحفاظ على إرثه الحضاري، وإبراز مكانته الفريدة، وإطلاق الطاقات الابداعية للشباب والنساء والأطفال، مع توفير الفرص المتكافئة لجميع شرائح المجتمع الفلسطيني لتفعيل هذه القدرات بتميز وإبداع..
وعليه، فإن تصميم برامج مؤسسة التعاون يهدف في الأساس إلى تعزيز الهوية وتجذير الثقافة الحية، إذ يدرج كمكون مهم في جميع برامجها، مثل التعليم وتمكين الشباب والتنمية المجتمعية، على سبيل المثال لا الحصر.
وتدعم مؤسسة التعاون العديد من المبادرات الثقافية، من خلال جائزة مؤسسة التعاون الإنجاز ـــ جائزة المرحوم عبدالعزيز الشخشير ـــ سنكون يوما ما نريد. 
 
الثقافة تعبير هو أحد برامج المؤسسة، ما هي أهم تفاصيل هذا البرنامج؟ وما هي شريحته المستهدفة، ومناطق عمل المؤسسة؟
ــــ تعرضت الهوية الفلسطينية المحلية والتراث للتهديد بصفة مستمرة في ظل الاحتلال، حيث يواجه الفلسطينيون أحداثاً صادمة بشكل يومي، وممارسات إسرائيلية تمس الثقافة الفلسطينية وتشوه خصائصها، وتحد من مساهمتها في التطوير والتفاعل والحوار الحضاري على المستوى العالمي.
يهدف برنامج الثقافة «تعبير» إلى تشجيع الفلسطينيين على التعبير عن أنفسهم بحرية، وعلى اطلاق ابداعاتهم الفنية ونشر انتاجهم محلياً وعالمياً.
يعمل البرنامج على تعزيز هوية فلسطين الأصيلة ودعم ثقافتها الحية، وتوفير مجال علاجي من التعبير الفني الذاتي للأطفال والشباب. حيث تشمل أنشطة البرنامج ما يلي: 
دعم عملية الإنتاج الثقافي الأدبي والفني الفلسطيني؛ خصوصا في مجال الموسيقى والدراما والكتابة الإبداعية. إضافة لتطوير دور الفنون في العملية التربوية، وذلك من خلال تدريب المعلمين والطلاب على الفنون الادائية والبصرية والتي تشمل الفنون المسرحية والرسم وأفلام الرسوم المتحركة وغيرها من أشكال الفنون؛ والدمج الثقافي والاجتماعي بين مناطق المجتمع الفلسطيني داخل فلسطين وفي الشتات والمشاركة في العروض الفنية على المستوى العالمي.
أما بالنسبة للشرائح المستهدفة فإن مؤسسة التعاون تستهدف ببرامجها فئات الأطفال والشباب، خصوصا في القدس وفي مناطق 1948 والمناطق المهمشة.
من أهدافكم دعم صمود الشعب الفلسطيني، كيف يمكن أن تكون الثقافة سببا لصمود هذا الشعب الذي تتوالى عليه الأزمات بكل أنواعها ويعاني جزء منه من ظروف اقتصادية سيئة؟
ـ تشمل الثقافة، بمعناها الأوسع، جميع مناحي الحياة، بما فيها الممارسات اليومية والسلوك والمنظومة القيمية، والعلوم الانسانية البحتة، والعادات والتقاليد والعلاقات الداخلية والخارجية، ويوثر ذلك بشكل مباشر في مدى تماسك النسيج المجتمعي وتضافر عناصره في الداخل ومع الشتات. إن تقوية هذا التماسك والتضافر يعتمد في الأساس على تمكين الفرد وبناء المؤسسات من خلال البرامج التي تتبناها مؤسسة التعاون بما فيها التعليم، والصحة، والثقافة، وتشغيل الشباب، وإعمار البلدات القديمة، والمتحف الفلسطيني الذي يعتبر باكورة لعمل المؤسسة في هذا المجال عبر 33 عاماً. إذ تسعى المؤسسة من خلاله إلى رواية القصة الفلسطينية واحتضان الموروث الثقافي وحمايته من الاندثار، وإحداث التفاعل الحضاري مع العالم. هذا وتعتبر المؤسسة الانتماء للهوية والثقافة الفلسطينية شرطاً جوهرياً لنيل الاستقلال.
لحينه استثمرت المؤسسة 600 مليون دولار في برامجها سابقة الذكر، أنفقت منها 24.3 مليونا على التعليم والثقافة، و260 مليون دولار على التنمية المجتمعية التي وفرت من خلالها الفرص الاقتصادية للشباب فساعدتهم في بناء شركائهم، وحسنت من الظروف الاجتماعية، خصوصا للفئات المهمشة من الشباب والنساء وذوي الإعاقة.
 
هناك حديث عن تهويد القدس ومحاولة العدو الإسرائيلي طمس معالم هويتها الفلسطينية. وللقدس رمزية كبيرة في صراع الهوية. هل لكم أنشطة أم مبادرات في حفظ هوية المدينة؟
ـ نعم بالتأكيد فمؤسسة التعاون تولي القدس وسكانها الفلسطينيين الأصليين أولوية قصوى في برامجها المختلفة وفي كل المجالات كبرنامج إعمار البلدة القديمة في القدس، تشغيل الشباب، التعليم، دعم التراث والحفاظ على الهوية، دعم القطاع الصحي الفلسطيني بالمدينة وغيرها من المجالات الحيوية الأخرى التي تعزز صمود المقدسيين في مدينتهم رغم كل محاولات القلع والتهجير التي تنتهجها سلطات الاحتلال الإسرائيلي تجاههم. منذ تأسيسها أولت المؤسسة أهمية منفردة للقدس، فأدرجتها على أولى اولوياتها في خططها الاستراتيجية والتنفيذية. فقد أنفقت المؤسسة، عبر السنوات الخمس السابقة ما يقارب الخمسين مليون دولار على برامجها في القدس وما زالت موازنة القدس تشكل نصف موازنة الضفة الغربية.
 
العالم الغربي الذي تشتغل إسرائيل على الرأي العام فيه لقلب الحقائق وتزوير التاريخ وتصدير صورة ثقافية لها غير حقيقية. هل لأنشطتكم وجود هناك في الغرب من باب التفاعل وإثبات الوجود للثقافة الفلسطينية وتوضيح الصورة بالنسبة للقضية؟
ـ نعم، نعمل حالياً بهذا المجال وفي استقطاب التمويل لبرامجنا من خلال مؤسستنا الشقيقة في بريطانيا، كما قمنا خاصة في الفترة الأخيرة في استثمار جهدنا بالولايات المتحدة الأميركية، ونسعى كذلك للتوسع داخل القارة الأوروبية خلال المستقبل المنظور.
 
لمشاهدة المقابلة من المصدر الأصلي-  الرجاء الضغط على رابط  جريدة القبس الكويتية
 

اخبار ذات علاقة